الجمعة 03 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.77 ليرة تركية / يورو
40.66 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.90 ليرة تركية / ريال قطري
8.64 ليرة تركية / الريال السعودي
32.39 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.77
جنيه إسترليني 40.66
ريال قطري 8.90
الريال السعودي 8.64
دولار أمريكي 32.39

كورونا بينَ الطّفلين المُعلِّمَين

26 مارس 2020، 09:59 ص
كورونا بينَ الطّفلين المُعلِّمَين

مطيع البطين

كاتب سوري

26 مارس 2020 . الساعة 09:59 ص

إضافةُ ( ال) التّعريف هنا  للدّلالة على أنّ كلَّ واحدٍ من هذين المُعلِّمين هو صاحبُ شأنٍ كبيرٍ ، وحاملُ  رسالةٍ وفضلٍ عظيمٍ على البشريّة كلّها  :

المُعلِّم الأوّل : كان أقرانُه لا يزالون في مرحلة " الرّوضة"  عندما قدّم للبشريّة رسالتَه الّتي نالَها مع أعلى مراتب الشَّرف ، تلك الرّسالة الّتي عرَفتِ البشريّة قيمتَها وفكَّتْ شيفرتَها  اليوم بعد مرور سبع سنواتٍ عليها .

مهلاً يا سادة ، لنْ تأخذوا وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً حتّى تنهوا قراءة هذه الرّسالة ، فهي قصيرةٌ جدّاً ، بلْ هي أقصر أُطروحةٍ في تاريخ جامعات الدّنيا ، فصاحبُها قد كتبْها وهو لم يتعلّم بعدُ فنونَ الكتابةَ ولا ضُروبَ البلاغةِ ولا أساليب البيان وروائعه ، هي  كلماتٌ أربع قالَها  لا غير ، أخجَلْتْ " قِسّاً " و أنْسَتْ  " سحبان "  : ( سأُخبرُ الله بكلَّ شيء ) ، هذه هي شهادةُ الشّرف الّتي نالَها أحد أطفال سورية قبلَ أنْ ينالَ شرفَ الشّهادة ، ليصبحَ أصغر طفلٍ في العالَم ينالُ شرف الشّهادتين.

اليوم في زمن الكورونا يتساءل الأساتذة الكبار والأساطين الرّاسخون في كلّ علمٍ وفنٍّ ، ويشرحون للبشريّة عمّا يمكنُ أن يكونَ قدْ أخبر اللهَ عزّ وجلّ  به هذا الطّفل ، عفواً.....قصدُتُ المعلّم الأوّل ، نعم يقولون : لقد أخبرَ اللهَ في عليائه أنّ هذا العالَم قد امتلأ ظلماً وجَورا ، وأنّ أفتَكَ القنابل وأخطرها  تُجرِّبها الدّول الكبرى في غاراتها على أجساد الأطفال في سورية ، وأنّ النّساء والأطفال الأبرياء تُراق دماؤهم باسم الدّين وآل البيت افتراءً على دين الرّحمة وعلى الآل الأطهار، وقد أخبره أنّ هؤلاء الأطفال استغاثوا بمجلس الأمن فشرّعَ قتلَهم و ظلمهم ، واستنجدوا بإخوتهم المسلمين فأعرضوا وأشاحوا بوجههم عنهم، واستجاروا بأشقائهم العرب فتخلَّوا عنهم  وخذلوهم ،و أخبره أنّ أطفال مضايا المحاصرين غدوا أشباحاً وهياكل مِن عظمٍ بسبب شدَّة الجوع  ، وأنّ أطفالَ مخيّم اليرموك المحاصَرين قد  أكلوا اضطراراً لحم الكلاب والقطط في عالَمٍ امتلأَ مِن حولهم تُخمةً وثراء ، وأنّ أطفال الزّبداني نخرَ عظامهم البَرد و الزّمهرير في عالَمٍ يتفرّجُ عليهم متدثِّراً بالأغطية الوفيرة ، أخبرَه  أنّ أطفالَ سورية ركبوا البحر فراراً مِن الموتِ بغارات المجرمين  ليلاقوا الموت غرقاً  مِن جشع تجّار البشر القُساةِ الطّامعين ، أخبره عن تغريبةِ وتهجير الطُّفولة حافيةًَ منهكةً هائمةً عاريةً خائفةً جَوعى لا تعرف برّاً للأمان ولا مرسىً للاطمئنان ، هذا بعضٌ مِن أخباره ، فيا لَهول ما أخبر ، ويا لَفداحةِ ما شكا إلى الله عنْ هذا العالَم الّذي تمادى في ظلمه ومادّيّته وقسوته ووحشيّته ، ويا لَدَرِّ هذا المُعلّم الّذي جعلَ البشريّة تُدركُ اليوم وتصحو في محنتها و بلائها أنَّ ما أصابَها هو بما كسبتْ واجترَحتْ يداها ، وأنّه لا نجاة للعالَم إلا بالإيمان والعدلِ والرّحمة و الإحسان ، وتسخير العلم لسعادة الإنسان لا للظّلم والعدوان  .

المُعلِّم الثّاني : طفلٌ سوريٌّ آخر يمتلك قلباً لمُ يبلغْ بعدُ قبضةَ  الكفّ ، لكنّه تحمّلَ عذاباتٍ تنوء بحملها الجبال الرّواسخ ، وعانى طويلاً مراراتِ الظُّلم و الحرمان ، نظرَ هذا الطّفل إلى الدّول وهيَ تُنْزِلُ جيوشها إلى الشّوراع لتفرض حظر التّجوّل حرصاً على مواطنيها مِن الوباء ، وسمعَ نداءات أهل العلم والمعرفة والاختصاص يرشدون النّاس إلى المكثّ في بيوتهم حتّى تمرَّ جائحة كورونا بأقلِّ الخسائر ، ورأى كثيراً مِن النّاس لا يكترثون لهذه النّداءات ولا يلتزمون بها ، ففاضَ قلبُه الصَّغير رحمةً وعطفاً عليهم ، وكتبَ لهم بلسان حاله ومقاله كأبلغِ ما يكتبُ الفصحاء : Stay home .....I wish I can ، أي : ابق في المنزل ، أتمنّى لو أستطيع ، كتبْ عبارته بالّلغة الإنكليزيّة مع أنّه عربيُّ الّلسان ، لأنّ الإنكليزيّة هي أكثر لغات العالم اليوم انتشاراً ، ولأنّه لا يوجّه نداءه للعرب وحدهم ولا للمسلمين دون غيرهم ، بل يوجِّهها للعالم أجمع ، لكلّ بني الإنسان دون تمييزٍ بين مسلمٍ وغير مسلم ،ولا بين عربيّ وغير عربيّ ، يوجّه نداءه إلى البشريّة كلّها معَ أنُها لا تزال لا تلفتُ إلى آلامه ولا إلى آلام أقرانه مِن أطفال سوريّة الّذين يذوقون العذاب ألوانا، يا لَجلال هذا العِلْم ويا لَعظمة هذا المُعلِّم الّذي يفيضُ مِن قلبه الصّغير المُمزَّق  الجريح عطفاً ورحمةً على كلِّ بني الإنسان ، هذا هو العِلمُ الّذي تحتاجه البشريّة اليوم ، وهذا هو المُعلِّم الّذي جسَّد حملَ أمانة العلم وصانَها ورعاها وأدّاها .

يا ربّ : مِن أجل هؤلاء الأطفال الّذين لمْ تُسوّد صحائفهم بذنبٍ ولا خطيئة ، بل لا تزالُ برئيةً نقيّةً كقلوبهم ، نسألك في عليائك أن تتجلّى برحمتك وعفوك ولطفك وجودك على البشريّة كلّها ، وأن ترفع البلاء والوباء وتكشف الكُرب ، وأنْ تغيثَ المستضعفين ، وتُؤمِّن الخائفين ، في سورية والعالم كلّه ، فقد عظُمتْ المحنة واشتّد البلاء ، وما  لعبادك مَلجأ إلّا إلى ساحة جودك وعظيم حِلمك و واسع رحمتك يا أكرم مَن سُئِل ويا أجود مَن أعطى و يا أرحم الرّاحمين .